قصة يوهانز جوتنبرج مخترع آلة الطباعة

لم ينجح (يوهانز جوتنبرج) المطبعي الألمانى فى تحقيقه الشهرة لنفسه باختراعه وسيلة جديدة للطباعة، ففى أوائل سنين القرن الخامس عشر كان جوتنبرج يعمل في دار سك النقود بمدينة مينز في ألمانيا بصنع (القوالب) التي تختم بها النقود، ولم يعرف عنه إطلاقاً تملكه للمال، بل كان دائم الإقتراض عاملاً مجداً فى مشروع يستهدف به الثراء بسرعة، وفى سنة 1430 ترك مينز إلى ستراسبورج ليعمل في صقل الأحجار لجواهري هناك، فلما لم ينجح المشروع بدأ جوتنبرج يتلفت من حوله باحثاً عن عمل آخر.
وفي سنة 1448 عاد ثانية إلى مينز يعمل بفكرة جديدة : كان قد فكر في طريقة لطبع الكتب، وفي تلك الأيام كانت كل الكتب التي تنتجها أوربا تكتب باليد، ولهذا كانت كثيرة التكاليف غالية الثمن, وكانت بعض الكتب تطبع على كتل خشبية تحفر فيها الرسوم والحروف وتختم بها الصفحات، وقد عرف الصينيون هذه الطريقة واستخدموها منذ قرون، ولكنها كانت طريقة بطيئة مجهدة. ذلك لأن كل حرف كان يحفر في الخشب إنما يحفر باليد، ثم تعد الكتل الخشبية بعدد صفحات الكتاب، وهذا يتطلب الوقت الطويل والمال الكثير.

ولما كان جوتنبرج يعمل جواهرياً، فإنه كان عادة يحفر الحروف الأولى من أسماء عملائه على أحجار الحلي، وكانت هذه تستخدم لختم أسماء أصحابها في شمع لين رقيق يسكب فوق الوثائق سائلاً، ويترك حتى يجف أو يغمس الختم في الحبر بدلاً من الشمع ثم يختم به الورق.

وجاءت فكرة لجوتنبرج، إذ خطر له أنه لو صنع عدداً من الحروف منفصلة بعضها عن بعض لاستطاع أن يجمع منها كلمات، ثم يعود بعد انتهاء حاجته منها إلى جمعها من جديد في كلمات جديدة تكون جمال جديدة، وهكذا . . ، وأدرك أنه سيلزمه الوقت الطويل للحفر في المعدن، فبدأ بحفرها في الخشب، حروفاً بارزة، ثم ضغطها في رمل ناعم لترتك أثراً واضحاً عميقاً هو نفس صورة الحرف البارز، وسكب معدناً سائلاً أذابه فوق النار وتركه حتى يجف، ثم رفع الحروف من الرمل وسكب معدناً مذاباً، وكرر هذه العملية المرة بعد الأخرى حتى حصل على كمية من الحروف استخدمها في تكوين الكلمات التي يريدها، وأعاد جمعها بصورة أخرى لكلمات جديدة. ومن ثم كان جوتنبرج أول مطبعي في أوربا استخدم حروف الطباعة المنفصلة المتحركة التي يستطيع جمعها ثم فصلها وإعادة جمعها، وفى كل مرة تتغير الكلمات والجمل والصفحات.

استخدم جوتنبرج أول ما استخدم حروفاً من المعدن، وقد وجد أنه من الضروري أن يصقل الحروف بعد صنعها لمساواة بروزها بدرجة واحدة، ولكنه اضطر عندما غمسها بالحبر وأراد طبعها أن يضغطها بقوة فانبعجت الحروف وفقدت صورتها الصحيحة الأولى، ومع أن الفكرة كانت عملية حقاً واستطاع أن يطبع صفحات بحروف جمعها في كلمات أكثر من مرة، إلا أنه لم يستطع أن يستخدم كل مجموعة من الحروف إلا لطبع بضع صفحات.

وحاول أن يصنع حروف الطباعة في قوالب من الرصاص بدلاً من استخدام الرمل، وكانت هذه الوسيلة وسيلة جيدة، وخاصة لأن الحروف التي تصنع في قوالب الرصاص لا تتطلب الصقل باليد على مثال تلك التي تصب في الرمل، ولكن بقيت الحروف لينة تتلف بالضغط، ومن ثم لم تُحل المشكلة برغم سرعة صب الحروف، ومع هذا بقي جوتنبرج يقضي في صنع الحروف وقتاً أطول بكثير من الوقت الذي يقضيه في الطباعة.

وجرب جوتنبرج عدة مركبات من الرصاص والقصدير في صنع حروف الطباعة، وفي نفس الوقت استطاع أن يطبع أشياء قليلة، وهنا ــ كما يحدث عادة ــ نضب معين ماله، كان هذا في حوالي سنة 1450، ولكنه لم يلبث أن وجد مصرفياً ثرياً اسمه، "جوهان فوست" رضى بأن يدفع لجوتنبرج مبلغاً يكفيه العيش لسنوات، وقد اقترن حصوله على المال بانتهائه من طبع كتابه الأول، كان كتاباً باللاتينية يعرض كيفية إعداد الخطب، وكانت جملة صفحات الكتاب ثمانية وعشرين صفحة طبعت كل منها على حدة، ولهذا كان على الذين يبتاعون الكتاب أن جمعوا الصفحات في مجلد واحد بأيديهم هم.
وقد سر جوتنبرج بنجاحه، وأكسبه هذا النجاح قوة، حتى إنه بدأ يطبع الكتاب المقدس، وكان هذا عملاً مليئاً بالجرأة، فالكتاب المقدس كتاب متعدد الصفحات، فضلاً عن أن جوتنبرج لم يكن قد انتهى من كل التفاصيل اللازمة لإعداد وصنع الحروف التي يستخدمها.

وهكذا فإنه بعد خمس سنوات من تقديم المصرفي "فوست" القرض الذي مكن جوتنبرج من معاودة العمل، احتاج المصرفي لنقوده، وبدأ يطالب بسدادها، ولم يكن هذا السداد مستطاعـاً، بل إن جوتنبرج لم يكن يملك نقداً ما، وكيف يستطيع فرد أن يجمع المال من طباعة الكتب، والقلة من الناس هم الذين يقرأون؟ ورفع "فوست" الأمر للقضاء عندما ضاق بالمطالبة، واضطر جوتنبرج – كوسيلة لأداء الدين - أن يعطيه آلة الطباعة وما أعده من الحروف ومعها كل أدواته أوراقه.

وكان "فوست" أكثر اهتماماً بالحصول على مال لا على أدوات للطباعة، فأعطى ما تسلم من جوتنبرج إلى صانع قوالب آخر اسمه "بيتر شوبفير"، وكان رجلاً ماهراً في صناعته.

وأدخل بيتر عدة تحسينات على طريقة صنع الحروف، حتى إن الكثيرين يعتقدون أنه لا يقل أهمية عن جوتنبرج.

وفي سنة 1465 منح كبير أساقفة "مينز" لجوتنبرج وظيفة في بلاطه مع كسوة جديدة من الثياب كل عام، ولكنها كانت عملاً لا صلة له بالطباعة، وكان جوتنبرج إذ ذاك أكثر اهتماماً بما يقيم أوده عن اهتمامه بأي شيء آخر، ولم يعمر جوتنبرج طويلاً، ولم يفكر فيه أي فرد كمخترع كبير، بل الواقع أنه لم ينل اهتماماً كبيراً من أحد، حتى إننا لا نعرف ماذا كانت سمات وجهه؟ وهل كان متزوجاً أو لا؟ ولكن مع هذا فمن الصعب أن نتصور صورة العالم ماذا تكون اليوم لولا عمل يوهانز جوتنبرج.

مواضيع ذات صلة

تاريخ 1738509102518865023

إرسال تعليق

emo-but-icon

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

item