قصة محمد يونس مؤسس بنك غرامين

يبتدأ محمد يونس حكايته عن تأسيس بنك غرامين فيقول: أنه لم تكن لديه أي رؤية عندما بدأ، كل ما في الأمر أنه رأى شخصاً محتاجاً فحاول مساعدته...


يبتدأ محمد يونس حكايته عن تأسيس بنك غرامين فيقول: أنه لم تكن لديه أي رؤية عندما بدأ، كل ما في الأمر أنه رأى شخصاً محتاجاً فحاول مساعدته وهكذا تطورت الرؤية لديه.

إن رؤية محمد يونس عن عالم خالٍ من الفقر بدأت بالتشكل إثر حادثة في أحد شوارع بنغلاديش.

يقول: قبل خمسة وعشرين عاماً كنت أُدرِّس الاقتصاد في جامعة بنغلاديش، وكانت البلاد تعاني من المجاعة. لقد كنت أشعر بالأسى، إذ كنت أدرِّس النظريات الاقتصادية المحترمة في الصف متحمساً بشهادة الدكتوراه التي حصلتُ عليها من الولايات المتحدة، ولكن عندما كنت أُغادر الصف كنتُ أرى حولي هياكل عظمية لأناسٍ ينتظرون الموت.

شعرتُ أن كل ما تعلمته وكل ما كنت أُدرِّسه عبارة عن قصص ملفقة لا أثر لها على حياة الناس. لذلك بدأتُ أحاول أن أكتشف كيف يعيش الناس في القرية المجاورة لحرم الجامعة. أردتُ أن أكتشف إن كان باستطاعتي - كإنسان - أن أقوم بأيِّ عمل يؤخر أو يوقف الموت ولو موتَ شخصٍ واحد. لقد تخليتُ عن نظرة الطائر الذي يرنو إلى كل شيء من عالٍ، من السماء، وتبنيت نظرة الدودة محاولاً العثور على أي شيء يقع أمامي مباشرة لأشمه وأتلمسه وأرى إن كان باستطاعتي أن أفعل شيئاً إزاءه.

ثم حدثت حادثة معَّينة دفعت بي في اتجاه جديد، إذ قابلتُ امرأة كانت تصنع كراسي من الخيزران، وبعد نقاش طويل اكتشفتُ أنها تكسب سنتين أمريكيين كل يوم. ولم أستطع أن أصدق أنَّ شخصاً ما يمكن أن يعمل بكل هذا الجد وأن يصنع كراسي من الخيزران بمثل هذا الجمال ثم لا يحصل في النهاية إلا على قدرٍ ضئيل من الربح. لقد بينت لي تلك المرأة كيف أنها لا تملك المال الكافي لشراء الخيزران لذلك تقترضه من التاجر الذي يشترط عليها أن تبيعه الكراسي بالسعر الذي يحدِّده، وهذا يفسر البنسين اللذين كانت تكسبهما، لقد كانت في الحقيقة محجوزةً تماماً لمصلحة ذلك التاجر.

سألتها: وكم يكلِّف شراء الخيزران؟
أجابت: حوالي عشرين سنتاً.
فكرتُ حينها، هل من المعقول أن يعاني الناس بسبب عشرين سنتاً وألا يكون باستطاعة أحد ما القيام بشيءٍ ما لمساعدتهم؟ خرجتُ بفكرةٍ أُخرى وهي أن أكتب قائمة بأسماء الأشخاص الذين يحتاجون إلى هذا النوع من المال.

اصطحبتُ تلميذاً لي وتجوَّلنا في القرية لعدة أيام، خرجنا بعدها بقائمةٍ تتضمنُ اثنين وأربعين اسماً، عندما حسبتُ المبلغ الذي يحتاجون إليه فوجئت بأكبر صدمةٍ في حياتي: لقد كان المبلغ لا يتجاوز سبعة وعشرين دولاراً، شعرتُ بالعار لكوني أنتمي إلى مجتمع لا يستطيع تأمين سبعة وعشرين دولاراً لإثنين وأربعين من العمال المجدين الماهرين.

ولكي أمحو ذلك العار أخرجت المبلغ من جيبي وأعطيتُه لتلميذي وقلتُ له: خذ هذا المبلغ وأعطه للإثنين والأربعين شخصاً الذين قابلناهم وأخبرهم أنه سلفة وأنَّ باستطاعتهم إعادتها عندما يتمكنون من ذلك وأنهم يستطيعون أن يبيعوا منتجاتهم في المكان الذي يحصلون منه على سعرٍ جيد.
كلُ ما يحتاج إليه الشيطان لكي يحقق الانتصار هو أن يجلس الأخيار دون أن يفعلوا شيئاً - إيدموند بورك
بعد أن أخذوا المال شعروا بابتهاجٍ شديد وقد دفعتني رؤية هذا الابتهاج إلى التفكير (ماذا يمكنني أن أفعل الآن؟) وفكرت في فرع المصرف الذي يقع في حرم الجامعة، وذهبتُ إلى المدير واقترحت عليه أن يقرض المال للفقراء الذين قابلتهم في القرية.

ذُهل المدير وقال: هل أنت مجنون؟ هذا مستحيل، كيف يمكننا أن نقرض المال للفقراء؟ إنهم غير جديرين بالدين.
توسلت إليه قائلاً: دعنا نحاول على الأقل، إنَّ ذلك لن يكلف إلا القليل من المال.
أجابني: لا، إن قوانيننا لا تسمح بذلك. إنهم لا يستطيعون تأمين ضمانة للقرض، كما أنَّ قدراً قليلاً من المال كهذا لا يستحق الإقراض. واقترح عليَّ أن أقابل موظفين أعلى منه في مركز المصرف في بنغلاديش.

حملتُ هذه النصيحة إلى الأشخاص ذوي الشأن في قسم العمل المصرفي، وكنت دائماً أتلقى الرد نفسه. وأخيراً وبعد أيامٍ من المحاولات قدمتُ نفسي ككفيل، سوف أكفل القرض، سوف أوقع على أيِّ شيءٍ يريدونه منّي وهكذا سيعطونني المال وسأعطيه بدوري إلى الفقراء.

وهكذا كانت البداية. لقد حذَّروني عدة مرات أن الفقراء الذين سيأخذون المال لن يعيدوه أبداً. قلتُ لهم: سوف أجرب، وكانت المفاجأة أنهم أعادوا كُلَّ بنسٍ استدانوه. شعرتُ بالإثارة وجئتُ المديرَ وقلتُ له: أنظر لقد أعادوا المال ولم تحدث أيُّ مشكلة. لكنه أجاب قائلاً: أوه، لا.. إنهم يخدعونك، وعندما تعطيهم مزيداً من المال لن يعيدوه أبداً. فأعطيتهم مزيداً من المال وأعادوه كاملاً، لكنه قال: حسناً ربما ينجح ذلك في قريةٍ واحدة لكنه لن ينجح في قريتين. ومباشرة جرَّبته في قريتين ونجح.

وهكذا أصبح الأمرُ نوعاً من الصراع بيني وبين مدير المصرف وزملائه في المناصب العليا. لقد استمرُّوا بالقول أنَّ عدداً أكبر من القرى، ربما خمس قرى، سوف يُظهر فشل المشروع، وهكذا جرَّبتُ الأمر في خمس قرى وكانت النتيجة أن الجميع أعادوا المال. ومع ذلك لم يستسلموا وقالوا (عشر قرى، خمسون قرية، مئة قرية) وهكذا أصبح الأمرُ نوعاً من المباراة بيني وبينهم. لقد خرجتُ بنتائج لا يستطيعون إنكارها، لأنَّ المال الذي كنتُ أعطيته كان مالهم لكنَّهم لم يريدوا تصديقها لأنهم دُرَّبوا على الاعتقاد بأنَّ الفقراء لا يمكن الوثوق بهم. لحسن الحظ، لم أكن مُدرَّباً بهذه الطريقة لذلك استطعتُ أن أصدِّق الأمور التي كنتُ أراها عندما كانت تُظهِر نفسها. أما عقول موظفي المصرف وعيونهم فقد أعمتها المعرفة التي كانت لديهم.

وأخيراً خطرت ببالي الفكرة التالية: لماذا أحوال إقناعهم؟ إنني مقتنعٌ تماماً أن الفقراء يستطيعون أخذ المال وإعادته. لماذا لا ننشئ مصرفاً مستقلاً؟ أثارتني هذه الفكرة وكتبتُ خطة المشروع، وذهبتُ إلى الحكومة لأحصل على إذنٍ بإقامة المصرف. استغرق الأمر عامين حتى استطعتُ إقناع الحكومة.

في الثاني من تشرين الأول عام 1983 أصبحنا مصرفاً رسمياً ومستقلاً. كان الأمر مثيراً بالنسبة إلينا جميعاً فقد أصبح لدينا مصرفنا الخاص وباستطاعتنا أن نتوسَّع كما نشاء وهذا ما فعلناه بالضبط.
عندما تلهمك غاية عظيمة أو مشروع خارق فإن كل أفكارك ستحطم قيودها وستجد عقلك يتجاوز الحدود، وإدراكك يتوسع في كل اتجاه، وستجد نفسك في عالم جديد مدهش وعظيم. - من حكم اليوغا لبانتاجالي
يعمل مصرف غرامين اليوم في أكثر من 46 ألف قرية في بنغلاديش من خلال 1267 فرعاً، ولديه 12 ألف موظف. قام المصرف بإقراض أكثر من 4,5 بليون دولار على شكل قروض تتراوح من 12 إلى 15 دولاراً، وبمعدَّل لا يزيد عن مئتي دولار، إنهم يقومون بإقراض 1/2 بليون دولار كُلَّ عام، حتى إنهم يقرضون المتسولين لمساعدتهم على التوقف عن التسوُّل والبدء بالعمل، كما يقدِّمون قرضاً لشراء منزل يبلغ ثلاثمئة دولار. قد تكون هذه الأرقام صغيرة بالنسبةِ إلينا في عالم الأعمال ولكن إذا فكَّرنا في التأثير الذي يتركه هذا المشروع في حياة الأشخاص سنجد أنه يُقرِض 500 مليون دولار كل عام إلى 3,7 مليون إنسان 96% منهم من النساء، حيث يتخذ هؤلاء الناس قراراً بأنهم قادرون على اتخاذ خطوات تغير حياتهم وحياة أسرهم. 3,7 مليون إنسان كان عليهم أن يتخذوا قراراً بأنهم قادرون على صنع التغيير، 3،7 مليون إنسان كان عليهم أن يقضوا ليلةً من الأرق ليستيقظوا في الصباح الباكر ويتجهوا إلى مصرف غرامين وهم مرتعدون ولكنهم مصمِّمون. في قلب عملية التمكين تلك تكمن نسوة اخترن إما بشكلٍ شخصي أو كمجموعات أن يُصبحن نساءَ أعمالٍ ينتجن البضائع من منازلهنَّ أو من منازلِ جيرانهن أو من حدائق منازلهنَّ ليُصبحن ناجحات اقتصادياً.

مواضيع ذات صلة

مقالات بارزة 2374298158784900765

إرسال تعليق

emo-but-icon

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

item